معالجة الفقر في بلادي على الطريقة الإسلامية
الاثنين, 18 مايو 2009
أ.د. عائشة سعيد أبو الجدايل
على المجتمع ككل أن يطبق التربية الإنتاجية تطبيقاً عملياً والقيام بحملة شعواء على التربية الاستهلاكية التي قادتنا وستقودنا إلى أدنى مستويات وحدود الفقر. خلصنا في المقال السابق الى ان العمل والتربية الانتاجية هو الوسيلة الاولى والاخيرة لتحقيق التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية بناء على المبادئ الاسلامية لمكافحة الفقر حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أكل أحد طعاما قط خير من ان يأكل من عمل يديه”. وهناك مخارج اخرى تأتي في المرتبة الثانية بعد العمل المخرج الاول: الزكاة وهي وسيلة تضامن اجتماعي تكاملي وهذه الوسيلة محدودة في شرائح معينة وليست مفتوحة وفقاً لما ورد في الآية: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها...) التوبة آية 60.
الوسيلة الثانية او المخرج الثاني: النفقة وهي واجب على رب الاسرة في حدود امكانياته (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) الطلاق آية7.
نضيف الى ذلك عدداً من المخارج منها: الكفارة والنذور والاضاحي، وزكاة الفطر وهي موارد لها اثرها المباشر في اعانة الفقراء هذا بالاضافة الى الصدقات التطوعية التي يدخل فيها وصية المرء بحدود الثلث من تركته وجعلها وقفاً لجهات البر والخير والاحسان للفقراء. وبالرغم من اتساع رقعة المساحة في الصدقات التي تساعد على مكافحة الفقر وتحقق التكامل والتضامن الاجتماعي الا اننا لا بد ان نضع نصب اعيننا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أتى يطلب شيئا من الزكاة او الصدقة: “ان المسألة “طلب الصدقة” لا تصلح الا لثلاثة: لذي فقر مدقع او لذي غرم مفظع او لذي دم موجع”. ولكن هناك ضوابط اقتصادية اسلامية لمعالجة الفقر في سوق العمل، فيها مخارج من الظلم الاقتصادي الذي يضع أسس الفوارق المالية بين الناس:
1- تحريم الربا: (وأحل الله البيع وحرّم الربا) البقرة 275 وقوله: (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا) البقرة 275، وقوله: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) البقرة 276 وقوله: (اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) البقرة 278 وقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة) ال عمران 130... الخ من الآيات التي تنهى عن هذا النوع من المعاملات المالية التي تقوم عليها المصارف المالية الحالية والتي تأخذ او تجر المحتاج الى هاوية الفقر.
2- تحريم الكنز (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) التوبة 34، والكنز تجميد المال وحبسه عن التداول في الانتاج فيعطل الانتاج ويحرم الناس من الانتفاع بالمال المكنوز.
3- تحريم الاحتكار: عن مالك ان عمر بن الخطاب قال: لا حكرة في سوقنا).
4- تحريم الاسراف والتبذير: (ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) الاسراء 27.
5- تحريم الغش لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عشنا فليس منا).
6- تحريم المماطلة لقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء: 58، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم».
7- ذم البخل والشح لقوله تعالى: «ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» الحشر: 9، وأيضا التغابن 16.
8- تحريم القمار «الميسر» لقوله تعالى: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان» المائدة: 90.
9- تحريم الرشوة وهي أكل الأموال بالباطل ولقوله تعالى: «وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما» النساء: 161، وقوله تعالى: «سماعون للكذب أكالون للسحت» المائدة: 42.
10- التطفيف منهي عنه بشدة «ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون» المطففين: 1-3.
هذا بالإضافة الى الأمور الدينية المنظمة للبيوع والديون والشركات وما يلحق ذلك من أمور اقتصادية تتحكم في حالات الأفراد والجماعة الاقتصادية والتي تمسك بميزان العدالة بين الناس. إن الإسلام شرع الوسائل ووضع الضوابط وما على المسلمين إلا أن يبحثوا أو يفكروا وسيجدون حلولاً إسلامية اقتصادية منطقية تحفظ لكل ذي حق حقه وتمنع الظلم والاحتكار، ولكن مهما بحثوا وفكروا فلن يجدوا وسيلة أفضل من العمل والإنتاج ورفع الظلم والاحتكار والمعاملات الربوية التي تقصم ظهر الإنسان الذي لا يملك رأس مال كاف للدخول في المضاربات الحديثة التي تأكل الأخضر واليابس ولا يستطيع مواجهتها سوى الهوامير أو من رحم ربي من صغار المستثمرين. بناء عليه على الانسان أن يعمل ويخوض ميدان العمل الإنتاجي حتى وإن خسر «تلك الأيام نداولها بين الناس»، وعلى المجتمع ككل أن يطبق التربية الإنتاجية تطبيقاً عملياً والقيام بحملة شعواء على التربية الاستهلاكية التي قادتنا وستقودنا إلى أدنى مستويات وحدود الفقر، حتى ولو كنا نمشي على بحور من الذهب الأسود لأن: «جبال الكحل تفنيها المراود» وأن الأمة التي لا تنتج تموت ولو كانت جبالها من الفضة وسهولها من الذهب.