صرخة لقيط وإدانة مجتمع !!!

[د/ عبدالله محمد الفوزان]

سيدي الفاضل الدكتور عبد الله الفوزان ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: عذرا أستاذي الفاضل فلست ممن يجيدون الكتابة أو يعرفون كيف تصاغ زفرات الآهات لتتحول إلى حروف تشكو حال صاحبها من الضيم والقهر على صفحات رسالة الكترونية، ولأني كذلك وأعرف قدري جيدا من حيث التعبير الإنشائي فإنني أفضل أن ادخل معك في صلب الموضوع مباشرة ألا وهو نحن اللقطاء يا دكتور عبد الله وأنا واحد منهم لا ذنب لي إلا أن الله قد خلقني هكذا! ودعني هاهنا اهمس في أذنك قليلا:ً هل خلق الله لعبد من عبيده يعد ذنبا ً يحاكم عليه الإنسان؟ فأنا لقيط لم أعش طيلة حياتي التي امتدت حتى الآن قرابة ثمانية وعشرين عاما مثل عيش أبسط الناس، وأرجو أن تركز على كلمة أبسط الناس ممن توجد لديه أسرة.
يا سيدي لا أحد يعلم بقيمة ومعنى كلمة أسرة بمثل ما يعلم معناها وقدرها اللقيط ! فكم كنت أتمنى لو كان لدي أبوان ظالمان يسومونني سوء العذاب، المهم أن يكون لدي انتماء عائلي وأصل أعرفه ومقابل هذا أنا مستعد لتحمل العذاب. هل تعلم بأني كنت في المدرسة أسمع زملائي وهم يتحدثون عن آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وعن اجتماعاتهم العائلية مع بعضهم البعض؟ أتعلم يا سيدي ماذا كنت أصنع ؟ كنت استأذن من المعلم لكي أذهب إلى دورة المياه - أعزكم الله - لكي أبكي على مرارة الحرمان. نعم كنت أبكي على أن من دمر حياتي هو اقرب الناس لي ! ليتني فقدت أبي وأمي بوفاتهما وعشت حياة الأيتام فقط ، ولكني فقدت كل شيء فلا يوجد لدي عائلة ولا اعلم من أنا أصلا ؟ً ومن أين أتيت؟ فلو مرضت – لا قدر الله - أو أصابني أي مكروه فمن سيدري هل أنا حي أصلا أم ميت؟ ومن سيهتم أصلا؟ ورسالتي هذه ليست إطلاقا لشرح معاناة اللقيط التي تتعدى سطورها المئات صدقني دون مبالغة ، وخصوصا أني أتحدث مع شخص مختص بعلم الاجتماع ويعرف الأبعاد النفسية لهذه الفئة ، ولكن رسالتي هذه هي فقط كي أطلب منك حقا لي ولإخوانك اللقطاء عليك في الإسلام وهو أن تكتب عنا مقالاً يشرح ظروفنا للناس لأننا لا ذنب لنا بما حصل ويحصل لنا! ... الناس يا سيدي وإن تظاهرت بتعاطفها مع اللقيط على انه يتيم ومسكين وضعيف ولكن من داخلهم وعند أقل خلاف يقوم به اللقيط مع شخص عادي وحتى لو كان خلافا مشروعا ً ولم يرق له القول سوف يتفجر من لسانه بحر من الصديد والقيح والألفاظ النابية تجاه أخ له في الإسلام ربما يكون أفضل منه عند الله وربما كان من أهل الفردوس نتيجة لابتلائه في الدنيا وربما يكون هو من أهل النار وقانا الله منها ... فمن يدري؟! ... كثير من الناس وبحكم احتكاكي بهم يرى بأننا نحن اللقطاء بذرة من الشيطان لم يخلقها الله وإنما خلقها الشيطان وكأن الشيطان والعياذ بالله أصبح خالقا ً مع الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا !! صدقني يا سيدي أن اللقيط هو أحقد من سكن على وجه الأرض على والديه، وكم من إخوان لي من اللقطاء أقسموا أيمانا ً غليظة أنهم لو يظهر أمامهم آبائهم وأمهاتهم فجأة أنهم لن ينتقموا منهم ولن يقتلونهم وإنما سيجعلونهم يتعذبون سنين ببطء وبكل ما توصل له العلم الحديث من وسائل تعذيب ... كيف لا وقد فعلو جريمة لا تفعلها الحيوانات ... فلم أسمع، مثلا، أن أنثى الكلب أعزك الله تترك وليدها لمصير مجهول !!! أما نحن فتجدنا إما على قارعة طريق أو عند صندوق قمامة، ومنا من كان مرميا ً بالصحراء للتخلص منه، ومنا من مات قبل أن تتلقفه الأيادي وليتني كنت منهم. صدقني يا دكتور عبد الله أن الإنسان عندما يجد نفسه يعامل من قبل مجتمعه كمجرم وهو لم يقترف أي نوع من الذنب ويهان وتهدر كرامته ويسفه ويحقر ويعزل، وعندما تتراكم هذه الشحنات في نفسه على مر السنين فإنه سوف يتحول لا محالة إلى مجرم ... وهذا فعلا ما وجدته لدى بعض اللقطاء الذين يريدون أن ينتقموا من المجتمع الذي لم يتقبلهم كبشر. فمنهم من يفكر بأن يهتك أعراض البنات ومنهم من يستدرجهن فعلا كي ينتقم وعندما أقول له اتق الله لماذا تهتك أعراض بنات المسلمين يرد باللهجة العامية ( أحسن خليهم يذوقون من حر ما نذوق ). وحين أساله وما ذنب البنت ؟ فيرد ونحن ما ذنبنا كي يحتقرنا الناس؟ وحدة بوحدة! وهكذا أصبح مبدأ أغلبهم الانتقام من الناس بهتك أعراض بناتهم. ومنهم من جعل الزنا ديدنه كل يوم والعياذ بالله، وإذا نصحته قال " وش فيها أنا أبوي زنا مع أمي وأمي زنت مع أبوي وأنا ابن زنا عادي هذا دربي وهذا طريقي "! والمصيبة أنك تجدهم مقتنعين تماما بما يقولونً! ومنهم من يخرج في آخر الليل ويلتفت يمينا وشمالا ليكسر زجاجات السيارات ويحرق قلوب أصحابها الذين لا يعرفهم ولكنه فقط يريد الانتقام. ويعلم الله إن بعض هؤلاء الأخوة لم يدفعهم إلى هذا المسلك سوى البناء العاطفي المدمر لديهم والذي يتدمر أكثر فأكثر بالازدراء والاحتقار ممن حولهم فأصابوهم بمقتل! لذلك قرروا الانتقام ، أما أنا فقررت أصلا الهجرة إلى بلاد الغرب ولن أقيم في أية دولة عربية لأن شعوبها لا تقدر أصحاب الظروف الخاصة ... والدولة التي لا يحترمك شعبها بسبب ذنب لم تقترفه وإنما أنت ضحية له لا تستحق العيش فيها إذا كان لدى الإنسان ادنى درجات الكرامة. في الغرب لن يسألوا عن نسبي ولن يكون ذلك عائقا أمام العيش بكرامة على العكس من المجتمعات العربية التي ترى أن على اللقيط أن يدس رأسه في التراب! ولماذا هو مطالب بذلك؟ فالذي ينبغي أن يدس رأسه هما المجرمين أبواه لكن هذا لا يطبق على ارض الواقع ... فنظرة العرب إلى اللقيط نظرة ظالمة ولذلك قررت أن اترك أوطانهم وأعيش في الغرب لأجد هناك إنسانيتي الضائعة وكرامتي المهدورة. ومؤلم جدا أن تجد إنسانيتك وكرامتك في الغرب ولا تجدهما وأنت بين إخوانك المسلمين.
أعلم أن حل المشاكل لا يكون بالهروب منها ولكن ماذا يفعل الإنسان إذا لم يكن أمامه سوى هذا الحل، فقد ابتعد سيد البشر عليه الصلاة والسلام من مكة وهاجر إلى الحبشة عندما تسلط عليه قومه، فكيف بي وأنا الإنسان العادي؟ لماذا لا ابتعد عن قوم يتظاهرون بحب الايتام وفي حقيقتهم لو تقدم لقيط متدين وملتزم وذو تعليم جيد ووظيفة جيدة لخطبة بنت أحدهم لبصق في وجهه وطرده شر طرده؟ وهذا أمر طبيعي في مجتمع لا يملك سوى التفاخر المقيت في الأنساب.
أعتذر منك على الإطالة ولكن هذا هو بوح السنين الذي أتمنى منك فعلا أن توصله بمقال إلى الناس أو في حلقة تقدمها على التلفزيون أو في ندوة لعل بعض العقليات تقتنع بأننا إخوان لهم لا ذنب لنا ولسنا مجرمين ولا شياطين مع إني أعلم أن العقليات المتحجرة لن ينفع معها شيء.
أنا مهاجر إلى الغرب قريبا ولكن لن أنسى الأجيال القادمة من اللقطاء الذين سوف يعيشون نفس معاناتي فلعل تكثيف الوعي حول هذه الفئة كفيل بأن يجعل وضع الأجيال القادمة من اللقطاء أفضل حالا مما تعرضنا ونتعرض له حاليا من أفراد مجتمعنا وأتمنى أن تتأثر بعض العقليات بكلامك وتنال أنت المثوبة والأجر من الله، هذا وأسال الله لك الصحة والعافية وراحة البال وفي أمان الله. أخوك في الإسلام وليد وان شئت سمني ابنك / بحفظ الله والله يرعاك.

الدكتور/ عبد الله محمد الفوزان

[Najat ALghamdi]

اللقيط في الاول والاخير انسان وله منا كل الاحترام والتقدير

والاكيد ان هناك فعلا من ينظر لهم نظره دونيه قاصره على تفكيرهم

ولكن هذا لا يعني ان كل افراد المجتمع بنفس الدرجه من الفكر

تغير تفكير المجتمع اتي لا محاله ولكن بالصبر والتوعيه

شكرآ لروحك الطاهره

[د/ عبدالله محمد الفوزان]

أشكرك أستاذة نجاة على المرور والتعقيب على المقال فهذه الرسالة وصلت إلى بريدي الالكتروني من أحد الأخوة اللقطاء وأردت أن أعرضها على أنظار مرتادي هذا المنتدى الجميل لعلنا ننقل معاناتهم ونساهم في الحد منها ... تحياتي لك ... الفوزان

[نسرين]

أشكرك جداً دكتور عبدالله على مشاركتك الجميلة والوجدانية لذلك الشاب فقد بث سموم من خلال كلماته أجتاحت صدره وعقلة وقلبة 000وسهوم أجتاحت قلوبنا وعقولنا ألما وحزنا عليه فقد تحمل آلام لاذنب له بها000
قبل 3أسابيع تقريباً قمت وفريقي التطوعي من نادي الرياض التطوعي بعمل زيارة لدار الحضانة الإجتماعية فكنت متحمسة جداً أنا وزميلاتي أن نرسم الفرحة والابتسامه على وجوههم البريئة وكنا نعتقد أن عددهم لايتجاوز العشرين والبعض أعتقد أقل من ذلك000
لكن
كانت الصدمة عندما وجدنا الدار يعج بالأطفال كانت ترتسم على وجوهههم ملامح البراءة نفوس هادئة لكنها لاتخلو من علامات التوتر والإستفهامات وكأنهم يعرفون مامصيرهم000
وكانت الصدمة أعظم عندما صارحتني اخصائية الدار بأنه يأتيهم كل يوم حالة من مستشفى00000بالرياض
أعمارهم مابين 2 الى 19 سنة صعقت بالكم الهائل الموجود في الدار ياترى هل مصيرهم ومستقبلهم الهجرة من البلاد كمصير ذلك الشاب للأسف أعتقد جازمه أن يكون كذلك00

[د/ عبدالله محمد الفوزان]

نعم أستاذة نسرين لقد كانت مؤثرة جدا رسالة وليد ورأيت عرضها هنا لعلها تصدم الوعي العام لمجتمع يعاقب الضحية دون ذنب اقترفه ... هؤلاء الأبرياء يجب أن يتبني قضيتهم كل ذي ضمير حي وأن يوصل رسالتهم ومعاناتهم إلى مجتمع لا يرحم لعل بعض العقول المتحجرة تغير قناعاتها نحوهم ... تحياتي وشكرا على المرور والتعقيب ... الفوزان

[نواف]

الله يصبرك يا وليد مجتمعنا لا يرحم ولكن عليك ان لا تيأس وتصبر

[د. عبدالعزيز الدخيل]

اشكرك د. عبدالله على طرح رسالة وليد أمامنا، كما أشكر من ساهم بالمشاركة في الموضوع،واشكر ايضا الأخ وليد الذي شرح معاناته ومعانة اخوانه من ذوي الظروف الخاصة. كما اتمنى يادكتور عبدالله ان تلبي رغبته في طرحها اعلاميا (وخصوصا النقاط التي ذكرها وليد من نظرة المجتمع للقيط). أيضا علينا كمختصين أن نعلم انفسنا ونتفهم احتياجات ذوي الظروف الخاصة وذلك لتحقيق هدفين الاول وهو التعامل معهم، أما الثاني فهو استخدام مهارتنا المهنية في مساعدة الناس لتقبلهم.

[د/ عبدالله محمد الفوزان]

أشكرك أخي نواف على المرور والتعقيب وفعلا قصة الاخ وليد مؤلمة جدا وتحكي واقعا يعايشه اللقطاء في مجتمع ينبذهم من دون ذنب اقترفوه ... تحياتي لك

[طموحي يعانق سماااااي]

كان الله في عونك ياأخ وليد
بعد أن انهيت تدريبي في مؤسسه لنزلاء من الفئات ذوي الظروف الخاصه رأيت بأم عيني مايعانون من المجتمع الخارجي الذي يطولهم حتى من معلميهم للأسف الشديد
معلم....يعرف حق المعرفه أن لاذنب له ابدا فيما هو فيه..علام يعاتبه؟
واذا كانت طبقة المتعلمين وذوي العقول النيره هكذا تفكيرهم فعلى ذوي العقول محدودة التفكير السلامأخي وليد..لاتخف.. ما زال للحق أنصار ..وما زال للعقل بقية

[آمنه البراق]

أخي وليد .. أعلم جيداً بما تختلجه نفسك من صرخات ألمٍ وقهرٍ واحتجاج على أشياءً كثيره في هذه الحياه ...وأعلم جيداً أن ماوصفته لم يكن سوى بعضاً من كل من معاناتكم خاصةً بعد أن عايشت هذه المعاناة أثناء تدريبي في أحد المؤسسات الإيوائيه للأيتام .. ولكن تأكد بأنه لازال هناك أشخاصاً يشعرون جيداً بمعاناتكم ويبذلون كل مافي وسعهم لإسعادكم وأنا منهم .. فأنا الآن أحضر رسالة الماجستير والتي أحببت أن تكون في نفس المجال (رعاية ذوي الظروف الخاصه) والذي أجده مجالاً خصباً لأي دراسه هادفه تطمح أن تخرج بخطط وسياسات واقعيه نافعه لهذه الفئه .. وعلى الرغم من كم المعوقات التي يمكن أن تواجهني عند الخوض في هذه الدراسه نظراً لشفافية موضوعها.. إلا أنني لم أجد بديلاً أحب على نفسي من هذا المجال للخوض فيه ..لذلك أسأل الله أن يوفقني لما أطمح تحقيقه لكم وأن أقدم كل ماهو نافعاً ومفيد انشاء الله ..