#1  
قديم 10-09-2008, 09:21 AM
الصورة الرمزية dr. abdullah alfauzan
dr. abdullah alfauzan dr. abdullah alfauzan غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 

افتراضي تعليمنا ومقولة " هذه بضاعتكم ردت إليكم "

تعليمنا ومقولة " هذه بضاعتكم ردت إليكم "

الأصل في التعليم أن ينمي العقل ويستثير فيه القدرة على التساؤل والاستنتاج والاستنباط والتحليل والمقارنة والربط والنقد والقبول والاعتراض إلا أن المتأمل في طبيعة التعليم لدينا يجد أنه لا يخرج عن مقولة " هذه بضاعتكم ردت إليكم " حيث يتم حشو أذهان الطلاب بكم معرفي هائل عليهم أن يقبلوه كما هو وليس مطلوبا منهم في نهاية العام أكثر من استفراغ ماحفظوه على ورقة الاجابة، فبمقدار ما تحفظ تحصل على نتيجة إيجابية، مما يشكل استمرارا لفلسفة النقل وتغييبا لدور العقل في العملية التعليمية.

في مثل هذه الحالة ينتفي دور الطالب في الصف، فالمعلومة المعلبة والجاهزة وغير القابلة للحوار والتساؤل والنقاش وحفظها وتخزينها في ذهنه هي أقصى مسؤولية عليه أن يلتزم بها مما يكرس لديه الخمول والكسل العقلي والاتكالية المفرطة على الآخرين والانقياد السهل للأفكار الشاذة والمنحرفة وغير المنطقية. ومن هنا يشكل الطالب بيئة مناسبة لزرع الخرافة ونشر الشائعات والتعصب والانغلاق والجمود الفكريين.

تعليمنا بصريح العبارة يغتال العقل ويساهم في تغييبه وتجهيله مادام الطالب بعيدا عن المشاركة في صناعة محتوى المادة التي يدرسها. فالجو المدرسي لدينا في أغلب الأحوال لا يشجع على الحوار والتساؤل ويقمع أي محاولة من قبل الطالب للإستفهام والاعتراض والتعبير عن وجهة نظره، وبذلك يتخلق ما يمكن أن نسميه هنا " الطالب الاسفنجي " الذي يمتص المعلومة فقط ثم يعصرها ثانية في نهاية العام على ورقة الاجابة إرضاء لمعلمه وتحقيقا لمبتغاه في النجاح بغض النظر عن مدى استفادته مما عرض عليه من معلومات وعن مدى رسوخها في ذهنه وعن مدى قناعته بها وقبوله لها، ولذلك غالبا ما تصبح تلك المعلومات في طي النسيان بمجرد تسليمه لورقة الاجابة.

أمر مدهش بالفعل أن تكون صورة الطالب المثالي في مدارسنا هو ذلك الطالب قليل الحركة والأسئلة والكلام لتخرج هذه الشخصية الى المجتمع وهي تفتقد إلى أبسط مقومات الثقة بالنفس والقدرة على الحوار واتخاذ القرارات وحل المشكلات. فالطالب طيلة وجوده في التعليم محروم من ابداء آرائه حيال الكثير من الأمور والقضايا والمواقف والأوضاع والقوانين والأحكام المتعلقة به أصلا، مما يخلق لديه القناعة بأن آرائه لا يعول عليها وانما عليه الانقياد لآراء الآخرين لأنها هي الأقرب للصواب والأجدر بالاحترام والقبول، وحتى لا يتعرض لعقوبات تحول دون نجاحه أو تسيء لسمعته بين زملائه.

إن ثقافة التسلط المستشرية في مدارسنا مسؤولة إلى حد كبير عن خلق الشخصية المرتبكة وغير الواثقة والمتعصبة والمنغلقة وغير المبدعة، لذلك تكمن الخطوة الأولى في صناعة الشخصية المنفتحة والخلاقة والمبدعة بتجفيف منابع هذه الثقافة المتسلطة بإفساح المجال للحوار والمناقشة وتبادل الآراء بين كافة عناصر العملية التربوية بما فيها الطالب نفسه. فمحتوى المناهج ليس قرآنا منزلا من عند الله، بل هو قابل للأخذ والرد والتساؤل والحوار والنقد والتحليل. كما أن السماح للطالب في المشاركة بصناعة البيئة والأجواء المدرسية يساهم في خلق الثقة بالنفس لدى الطالب ويجعل من هذه البيئة والأجواء ملبية لرغباته وميوله واهتماته ويقضي على حالة الملل والرتابة التي قد تنتابه وربما تدفعه إلى التسرب من المدرسة أو التحايل من أجل الغياب عنها. كذلك لابد من استثارة عقول الطلاب بالأسئلة وقبول اجتهاداتهم في الاجابة دون استهزاء أو تقريع وتصحيح الخاطيء وغير المنطقي منها إذا أردنا فعلا بناء ثقة الطالب في نفسه وتنمية مهاراته الإبداعية.

أما المسؤولية الاجتماعية للطالب فحدث ولا حرج، فهو لا يساهم حتى في تنظيف فناء مدرسته التي يقضي فيها جزءا لا يستهان به من ساعات يومه. كما أنه بعيد كل البعد عن المشاركة في النشاطات الاجتماعية والأعمال الخيرية والانسانية خارج نطاق مدرسته ظنا منه بأن تلك النشاطات والأعمال تقع خارج نطاق مسؤوليته الشخصية ليخرج الطالب إلى مجتمعه بشخصية غير مبالية واتكالية، بل وفوضية ومدمرة وغير منضبطة في أغلب الأحيان.

مطلوب من الآن فصاعدا الاعداد الجيد للمعلم بحيث يكون منفتحا على الآخرين وعلى الآراء الأخرى ويمنح مساحة كافية للتساؤل والحوار والمناقشة والتحليل والاستنتاج والقبول والاعتراض أمام طلابه. أما المعلم الموجود اليوم فلابد من تدريبه على أساليب وطرق التعليم المستحدثة كي يكون عونا للمجتمع في صناعة شخصية الطالب المنتجة والمبدعة والمنفتحة والواثقة بنفسها والمدركة لمسؤوليتها الذاتية والاجتماعية.

كذلك يجب على تعليمنا أن يكون قادرا على فرز الطلاب وفق ميولهم واهتمامتهم منذ المرحلة الابتدائية بحيث يتم التركيز بصورة أكبر على تنمية جوانب الابداع لديهم بدلا من التعامل مع كافة الطلاب بسياسة القطيع وكأنهم لا فروقات بينهم في الذكاء والميول والاهتمامات ليفقد بذلك مجتمعنا طاقات وقدرات هائلة كان بالامكان توجيهها نحو مكامن الابداع لديها وتنميتها وتطويرها.

هكذا يجب أن تكون حال التعليم لدينا إذا ما أردنا مخرجات مبدعة وخلاقة تلبي حاجة المجتمع وتساهم في تنميته ولديها القدرة التنافسية في هذا العالم وتملك القدرة على خدمة ذاتها ومجتمعها ... هذا وللجميع أطيب تحياتي.

الدكتور/ عبدالله محمد الفوزان
جامعة الملك سعود-كلية الآداب-قسم علم الاجتماع-ص.ب 2456
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2008, 12:28 AM   رقم المشاركة : [2]
وفيه بنت ناصر
عضو نشيط
الصورة الرمزية وفيه بنت ناصر
 
افتراضي سلمت يداك

اهلا دكتور فعلا كلامك صحيح - تقديري واحترامي - وفية


التوقيع: الابتسامة تمنحك إشراقة وتفاؤلا" باالغد..تعطيك الطمأنينة وتمنحك الحب .
وفيه بنت ناصر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
رد


أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع كتابة مواضيع
لا تستطيع كتابة ردود
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع إلى


الساعة الآن: 02:07 AM

Powered by vBulletin® Version
Copyright ©2000 - 2008, Jelsoft Enterprises Ltd.

استضافة وتطوير سعودي إكسترآ لخدمات الانترنت
كتاباتك مرآة شخصيتك فأحرص أن تظهر بشكل راقي