أسر السجناء ... ماذا تقول الدراسات؟
أسر السجناء .... الأحوال والمشاكل
كانت الأحوال والمشاكل الأسرية لنزلاء السجون محورا للعديد من الدراسات والبحوث العلمية، وتتفق نتائج هذه الدراسات والبحوث على أن هناك تأثيرات سلبية مختلفة تتعرض لها أسر السجناء نتيجة ايداع السجين في السجن. وتتفاقم هذه الأحوال والمشاكل الأسرية إذا كان السجين هو العائل. ومن أبرز هذه الدراسات والبحوث في عالمنا العربي تلك الدراسة التي قام بها الدكتور ناجي محمد هلال أستاذ علم الاجتماع المساعد بكلية التربية في بورسعيد على عينة من أسر السجناء بإحدى المؤسسات العقابية ( سجن الزقازيق ) بجمهورية مصر العربية.
ففي مقدمة دراسته يذكر الدكتور ناجي أن سلب حرية المجرم بسجنه تعني عزله عن بيئته الاجتماعية عزلا نهائيا وراء أسوار مؤسسة عقابية، حيث لا يسمح له بالاتصال بهذه البيئة الا من خلال رقابة السلطة المنفذة للجزاء الجنائي الواقع عليه، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون هناك مجموعة من التغيرات الاجتماعية السلبية التي تلحق بالأسرة نتيجة سجن أحد أفرادها. فقد تحدث اختلالات في بنائها ووظائفها، ولا سيما اذا كان السجين هو عائل الأسرة.
ومن هذه التغيرات الأسرية الناتجة عن السجن من وجهة نظر الباحث ما قد يظهر في علاقة المحكوم عليه بأفراد أسرته أثناء العقوبة، أو علاقة هؤلاء فيما بينهم أثناء غيابه عنهم، ثم في الحياة الأسرية بصفة عامة. وترتبط هذه التغيرات بعدة عوامل منها نوع الروابط العاطفية بين الزوجين، والأدوار الاجتماعية للمحكوم عليهم بالنسبة للأسرة، وكذلك المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للأسرة، ومدى نجاح الزوجة في مقاومة الصعوبات المادية الناجمة عن الإدانة.
كما يلاحظ أن نوع الجريمة المرتكبة قد يثير المشاعر العدائية تجاه السجين من قبل الأقارب والجيران وأهل الحي، خاصة اذا كانت عقوبة السجن جزاء لارتكاب جريمة خلقية أو يدر الشفقة والتعاطف نحوه اذا كانت الجريمة من النوع الذي ارتكب بدافع الشرف أو الأخذ بالثأر. وتأتي خطورة هذه التغيرات الناجمة عن سلب حرية السجين من آثار ضارة على الأسرة كانحراف الأبناء أو طلب الزوجة للطلاق أو معاناة الأسرة من الحرمان والعجز المادي، خاصة اذا كان السجين هو عائل الأسرة ويقضي عقوبة طويلة المدة.
لقد أثبتت الدراسات أن أسرة السجين غالبا ما تتعرض لمشاكل مادية حادة حين يكون السجين هو المصدر الأساسي للدخل، وفي نفس الوقت لا يزال أفراد الأسرة في سن الإعالة، فضلا عن أن زوجات السجناء غير مؤهلات للعمل، أو يعملن في أعمال ذات دخل منخفض. كما أن قلة المساعدات التي تقدمها المؤسسات الأهلية والحكومية لأسر السجناء تزيد من معاناتها المادية. وهذا الوضع المادي المتردي لأسر السجناء تضطرها إما إلى ضغط المصروفات أو الاعتماد على مساعدة الأهل والأقارب أو بيع أشياء مملوكة للزوج أو الزوجة في محاولة للتغلب على النقص في الدخل.
ومن الناحية الصحية أثبتت نتائج الدراسات أن أسر السجناء تتعرض للعديد من المشاكل الصحية نتيجة انخفاض الدخل وبالتالي عدم القدرة على تقديم الرعاية الصحية الكافية لأفراد الأسرة. ففي إحدى الدراسات التي أجريت في هذا المجال تبين أن ثلث عينة الدراسة يعاني بعض أفرادها من سوء الحالة الصحية وانتشار الأمراض المزمنة، وأن هذا العدد تضاعف مع مرور الزمن منذ القبض على رب الأسرة.
أما أهم المشاكل النفسية التي تتعرض لها أسر السجناء فقدان أفراد الأسرة الثقة بالنفس والإحباط الناجم عن فقدان العائل وما يترتب على ذلك من اضطرابات نفسية وحرمان عاطفي. كذلك اتضح أن غالبية زوجات السجناء تشتكين من الإحباط الجنسي نتيجة فقدان الزوج، وأن التغير في أمور الأسرة يتجه نحو الأسوأ مع مرور الزمن.
وبالنسبة للمشاكل الاجتماعية لأسر السجناء فتتمثل في الخلافات بين الأبناء وانشغال كل منهم بالمشكلات الفرعية دون تفكير بمستقبل الأسرة، وعدم قدرة الزوجة في أغلب الأحيان على القيام بدور الأب مما قد يؤثر على طبيعة العلاقات داخل الأسرة. كما أن ظروف العمل الذي قد تلجأ إليه الزوجة بعد سجن العائل قد تفقدها إلى حد كبير السيطرة على الأبناء. كذلك قد تلجأ بعض الزوجات إلى طلب الطلاق مما يؤدي إلى مزيد من التفكك الأسري. وأيضا قد تأخذ العلاقة بين الأسرة والمجتمع أشكالا مختلفة نتيجة ما اقترفه رب الأسرة من جرم في حق المجتمع منها عدم التفاعل مع أفراد هذه الأسرة وعدم اتاحة فرص العمل المناسبة أمامهم وملاحقتهم بالحديث عما ارتكبه العائل من أفعال غير مناسبة.
وفي دراسات أخرى تبين أن هناك العديد من المشكلات الاجتماعية التي تواجهها أسر السجناء أهمها الطلاق وهجر الزوجة لمنزل الزوجية وانخفاض مستوى المعيشة وعدم معرفة أخبار الأبناء من قبل السجين واستيلاء الأقارب على الميراث وعدم زيارة الزوجة والأبناء للسجين وعدم التزام بعض أفراد الأسرة بالأخلاق والهروب من البيت وتعرضهم لتعاطي المخدرات ومشاكل السكن، حيث قد تجبر الأسرة على مغادرة المسكن سواء من قبل المالك أو من قبل الجيران تحت الضغط النفسي بسبب دخول رب الأسرة السجن.
ومن أجل مواجهة فعالة لهذه المشكلات التي تتعرض لها أسر السجناء يقترح الباحث التوصيات التالية:
1- الاستفادة من كافة المصادر القائمة في المجتمع في مساعدة أسرة السجين خلال سجنه وبعد الإفراج عنه، باعتبارها ضحية بلا ذنب، ويجب ألا تقف هذه المساعدة عند مسألة الاعانة المادية فقط، بل ينبغي أن تمتد إلى توجيه اجتماعي وشامل يقي أفرادها السلوكيات المنحرفة.
2- توسيع نطاق الجهود التطوعية المختلفة المعنية بمساعدة أسر السجناء وإضفاء الطابع المؤسسي عليها لأن تركها للاجتهادات الفردية أو الحماس التطوعي لا يضمن لها الإستمرار.
3- تفعيل دور الجيرة والقرابة من خلال وسائل الإعلام من أجل رفع مستوى الوعي بقضية أسر السجناء مما قد ينعكس على وضع برامج من خلال مجتمع الحي والقرابة لاحتواء ورعاية أسر السجناء.
4- تبني مشروعات تربوية ووقائية من قبل المؤسسات المعنية بأسر المسجونين، فعلى سبيل المثال وضع برامج لتنمية مهارات أبناء السجناء، وكذلك برامج ترفيهية لهم من أجل حفظ أوقاتهم وشخصياتهم ورعايتها.
5- توسيع نطاق تطبيق بدائل عقوبات أرباب الأسر بما يحقق الغاية منها، وفي نفس الوقت يخفف الأضرار الناتجة عنها. ويمكن ترجمة ذلك في الواقع من خلال الآتي:
أولا: الحرص على عدم الزج بالمخالفين من أرباب الأسر في السجن في حالات المخالفات والجنح البسيطة التي لا تشكل خطورة اجرامية يخشى على المجتمع منها والاكتفاء بالحكم مع وقف التنفيذ.
ثانيا: مواجهة المخالفات الإدارية وما شابهها مما لا يؤدي إلى ضرر عام على المجتمع ببعض الجزاءات الإدارية أو أي إجراء مناسب يشعر الجاني بخطئه ولا يجني على غيره.
ثالثا: إعادة قراءة مختلف السياسات الجنائية والعقوبات الجزائية التي قد تحمل شيئا من عدم التنسيق فيما بينها، فضلا عن تناول آثار الأحكام وتقديرها.
وفي نهاية بحثه يؤكد الباحث على أن ما تقدم من توصيات لا تعني أنه يتجاهل فكرة العقاب. فهذا تشريع الهي ليس لنا أن نتأخر عنه، وإنما المقصود هو محاولة التفكير في إجراءات جزائية ووقائية في آن واحد بحيث تتفادى الآثار السلبية الناجمة عن حبس رب الأسرة، وتحاول اختيار الأمثل من البدائل الجزائية والاصلاحية والعلاجية. فالهدف من ذلك أن تنطلق العقوبة من المنظور الاصلاحي الشمولي، خاصة في مسألة سلب الحرية لرب الأسرة الذي يعول عددا من الأفراد، كون ذلك ليس من مقتضيات مصلحة الأسرة فقط، بل أيضا من مصلحة المجتمع بصفة عامة.
الدكتور/ عبد الله محمد الفوزان
جامعة الملك سعود-كلية الآداب-قسم الاجتماع-ص.ب 2456
|