د/ عبدالله محمد الفوزان
06-06-2008, 08:17 PM
أينما تمد ناظريك في أرجاء عالمنا الإسلامي تجد ما يندى له الجبين من أشكال التفجير والتدمير والقتل والتهديد وكلها ترتكب للأسف بإسم الإسلام. والأعجب أن غالبية هذه الممارسات تقع في بلدان ومجتمعات مسلمة أصلا ويذهب ضحيتها النساء والأطفال والشباب والشيوخ والممتلكات وكأن أمتنا ينقصها المزيد من الويلات والفواجع والكوارث. ولا يملك الإنسان المسلم وهو يرى هذه الأهوال التي يقوم بها أناس ينتمون إلى الإسلام ضد مجتمعاتهم وأوطانهم إلا أن يشعر بالأسى والحرقة والألم والخوف على مستقبل هذه الأمة.
ظاهرة العنف التي بدأت تستشري في كافة مجتمعاتنا وأوطاننا المسلمة هي نتيجة منطقية لمجموعة من العوامل الدينية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والإعلامية. وأي محاولة لفهم ظاهرة العنف هذه في عالمنا الإسلامي لا بد أن تأخذ بعين الإعتبار كافة هذه العوامل وربطها معا. فالخطاب الديني المتشدد أخذ على عاتقه إنتقاء ما يؤيد وجهة نظره المتشددة من بين ثنايا مصادر التشريع وأغفل جوانب التسامح والرحمة وأسقط على الواقع اليوم ما كان قد نزل في زمن النبوة لموقف معين ولظروف معينة من الآيات والأحاديث دون مراعاة لتبدل الأحوال والظروف. وقد انبرى لهذه المهمة من ليسوا أهلا للفتوى ولا يملكون العلم الشرعي الكافي لاستنباط الأحكام والفتاوى وزينوها في أعين شباب متحمس تنقصه الحكمة والخبرة والدراية ليجعلوا منهم حطبا ووقودا لعمليات ارهابية مؤذية بحق مجتمعاتهم وأوطانهم بحجة إقامة دولة الخلافة وتطهير الآرض من الآثام والمعاصي.
أما التعليم فهو الميدان الآخر الذي قد يساهم في تمرير الأفكار المتشددة سواء من خلال محتوى المناهج أو من خلال المنهج الخفي الذي يلجأ إليه المعلمون أصحاب الفكر المتشدد لبث أفكارهم المتشددة بين أوساط الطلاب بعيدا عن أعين الرقيب. كما أن الأجواء التعليمية التي يغيب فيها الحوار والنقد وإعمال العقل وتقوم على التسلط والتلقين تهيء الأرضية المناسبة لخلق عناصر جاهزة لاستقبال الأفكار المتشددة دون تمحيص والإستجابة لمضامين هذه الأفكار في صورة أعمال إرهابية مدمرة، وخاصة فئة الشباب.
وتلعب الظروف الاقتصادية من فقر وبطالة عوامل مساعدة في استقطاب الشباب الفقير والعاطل من خلال تقديم امتيازات مالية تقدمها قيادات الفكر المتشدد لهؤلاء. فقيادات الفكر الارهابي تجد من يمول مخططاتها من أولئك الأثرياء الذين يؤمنون بأفكارها أو من خلال استغلال النشاطات الخيرية وجمع التبرعات أو حتى من خلال عمليات غسيل الأموال.
ومن الناحية النفسية تدرك قيادات الإرهاب حاجة الشباب تحديدا إلى التقدير والإحترام وإلى من يمنحهم الألقاب المثيرة التي تدغدغ مشاعرهم فتعمد إلى إشباع حاجة الشباب لمثل هذه المزايا بمنحهم التقدير والألقاب وهي مزايا محفزة للشاب وتحقق ذاته وتمنحه المكانة الاجتماعية المرغوبة. كما أن هذه القيادات تلجأ إلى استغلال الشباب ممن يعانون من أمراض نفسية أصلا واستقطابهم ونشر افكارها بينهم وتوظيفهم في تنفيذ مخططاتها الإرهابية.
وتتضافر العوامل الاجتماعية مع غيرها من العوامل في صناعة الشخصية الإرهابية من خلال التربية الأسرية القمعية أو البيئة الأسرية المهملة وغير المبالية بحاجات الشاب ومن أهمها الحب والإحتواء والتقدير والاحترام والمشاركة في القرارات والمسئوليات الأسرية، ناهيكم عن التفكك الأسري والعنف ضد أفرادها. كذلك يدفع الإحساس بعدم الأهمية في المجتمع الشاب إلى اختيار الجماعات التي تشعره بهذه الأهمية وتمنحه المكانة الاجتماعية المميزة والثقة المطلوبة والمسئولية المنشودة، وهذا ما تقوم به الجماعات الإرهابية وتحرص عليه لضمان ولاء الشباب لها وتحمسهم لتنفيذ مخططاتها.
وعلى المستوى السياسي هناك غياب الديموقراطية والمشاركة السياسية في أغلب الدول الإسلامية، بالإضافة إلى الشعور بتسلط العالم على مقدرات الأمة الإسلامية، وهذا ما تبثه الجماعات الإرهابية لنزع ثقة الشباب بحكوماتهم بتحميل هذه الحكومات القائمة مسئولية استمرار هذا التسلط وعدم قدرتها على مواجهته وتطرح نفسها بديلا لهذه الحكومات باعتبارها المنقذ المنتظر لهذه الأمة ولابد من انخراط الشباب معها لتحقيق هذه المهمة. وبسبب السذاجة السياسية لدى بعض الشباب يجد هؤلاء في شعارات تلك الجماعات مصادر جذب تدغدغ مشاعرهم وتجعلهم أدوات تستغلها قيادات الإرهاب في تنفيذ مخططاتها.
أما وسائل الاعلام من فضائيات وانترنت وغيرها فقد أصبحت مكانا رحبا لبث الأفكار الإرهابية بطرق مشوقة وبأساليب إبداعية تبهر الناضرين بهدف استقطاب الشباب، ناهيكم عن الفتاوى التكفيرية والأناشيد الاسلامية التحريضية التي تبثها تلك الوسائل وتجد من يتفاعل معها وينجذب إليها لأنها تدغدغ مشاعره وتمنحه ضمانا إلى الجنة والحور العين والخلاص من واقعه المأزوم.
عموما نحن أمام ظاهرة معقدة تتعدد عواملها ومسبباتها ويبقى الوعي هو السبيل الأهم في مواجهتها ليس من أجل الحفاظ على مكتسبات مجتمعاتنا وأرواح هؤلاء وضحاياهم فحسب ولكن من أجل المحافظة على صورة الإسلام الزاهية التي شوهتها أيادي ثلة من أبناء الإسلام تظن أنها بأفعالها الإرهابية إنما تحسن صنعا للاسلام والمسلمين وهي أبعد ما تكون عن ذلك مع الأسف ... فالعبرة في النتائج، والنتائج مزيد من الإفساد في الأرض وقتل الأرواح البريئة وتدمير الممتلكات وإضعاف أمة الإسلام وتشويه صورة الإسلام ... ألا تكفي هذه النتائج المدمرة كي يعيد هؤلاء حساباتهم ويدركون خطأ منهجهم ويبدأون مسيرة سلمية هدفها نشر دين الله في أرجاء المعمورة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن بعيدا عن الأحزمة الناسفة والقتل والتدمير ... حفظ الله ديننا وأمتنا من كل مكروه ... هذا وللجميع أطيب تحياتي.
الدكتور/ عبد الله محمد الفوزان
[email protected]
ظاهرة العنف التي بدأت تستشري في كافة مجتمعاتنا وأوطاننا المسلمة هي نتيجة منطقية لمجموعة من العوامل الدينية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والإعلامية. وأي محاولة لفهم ظاهرة العنف هذه في عالمنا الإسلامي لا بد أن تأخذ بعين الإعتبار كافة هذه العوامل وربطها معا. فالخطاب الديني المتشدد أخذ على عاتقه إنتقاء ما يؤيد وجهة نظره المتشددة من بين ثنايا مصادر التشريع وأغفل جوانب التسامح والرحمة وأسقط على الواقع اليوم ما كان قد نزل في زمن النبوة لموقف معين ولظروف معينة من الآيات والأحاديث دون مراعاة لتبدل الأحوال والظروف. وقد انبرى لهذه المهمة من ليسوا أهلا للفتوى ولا يملكون العلم الشرعي الكافي لاستنباط الأحكام والفتاوى وزينوها في أعين شباب متحمس تنقصه الحكمة والخبرة والدراية ليجعلوا منهم حطبا ووقودا لعمليات ارهابية مؤذية بحق مجتمعاتهم وأوطانهم بحجة إقامة دولة الخلافة وتطهير الآرض من الآثام والمعاصي.
أما التعليم فهو الميدان الآخر الذي قد يساهم في تمرير الأفكار المتشددة سواء من خلال محتوى المناهج أو من خلال المنهج الخفي الذي يلجأ إليه المعلمون أصحاب الفكر المتشدد لبث أفكارهم المتشددة بين أوساط الطلاب بعيدا عن أعين الرقيب. كما أن الأجواء التعليمية التي يغيب فيها الحوار والنقد وإعمال العقل وتقوم على التسلط والتلقين تهيء الأرضية المناسبة لخلق عناصر جاهزة لاستقبال الأفكار المتشددة دون تمحيص والإستجابة لمضامين هذه الأفكار في صورة أعمال إرهابية مدمرة، وخاصة فئة الشباب.
وتلعب الظروف الاقتصادية من فقر وبطالة عوامل مساعدة في استقطاب الشباب الفقير والعاطل من خلال تقديم امتيازات مالية تقدمها قيادات الفكر المتشدد لهؤلاء. فقيادات الفكر الارهابي تجد من يمول مخططاتها من أولئك الأثرياء الذين يؤمنون بأفكارها أو من خلال استغلال النشاطات الخيرية وجمع التبرعات أو حتى من خلال عمليات غسيل الأموال.
ومن الناحية النفسية تدرك قيادات الإرهاب حاجة الشباب تحديدا إلى التقدير والإحترام وإلى من يمنحهم الألقاب المثيرة التي تدغدغ مشاعرهم فتعمد إلى إشباع حاجة الشباب لمثل هذه المزايا بمنحهم التقدير والألقاب وهي مزايا محفزة للشاب وتحقق ذاته وتمنحه المكانة الاجتماعية المرغوبة. كما أن هذه القيادات تلجأ إلى استغلال الشباب ممن يعانون من أمراض نفسية أصلا واستقطابهم ونشر افكارها بينهم وتوظيفهم في تنفيذ مخططاتها الإرهابية.
وتتضافر العوامل الاجتماعية مع غيرها من العوامل في صناعة الشخصية الإرهابية من خلال التربية الأسرية القمعية أو البيئة الأسرية المهملة وغير المبالية بحاجات الشاب ومن أهمها الحب والإحتواء والتقدير والاحترام والمشاركة في القرارات والمسئوليات الأسرية، ناهيكم عن التفكك الأسري والعنف ضد أفرادها. كذلك يدفع الإحساس بعدم الأهمية في المجتمع الشاب إلى اختيار الجماعات التي تشعره بهذه الأهمية وتمنحه المكانة الاجتماعية المميزة والثقة المطلوبة والمسئولية المنشودة، وهذا ما تقوم به الجماعات الإرهابية وتحرص عليه لضمان ولاء الشباب لها وتحمسهم لتنفيذ مخططاتها.
وعلى المستوى السياسي هناك غياب الديموقراطية والمشاركة السياسية في أغلب الدول الإسلامية، بالإضافة إلى الشعور بتسلط العالم على مقدرات الأمة الإسلامية، وهذا ما تبثه الجماعات الإرهابية لنزع ثقة الشباب بحكوماتهم بتحميل هذه الحكومات القائمة مسئولية استمرار هذا التسلط وعدم قدرتها على مواجهته وتطرح نفسها بديلا لهذه الحكومات باعتبارها المنقذ المنتظر لهذه الأمة ولابد من انخراط الشباب معها لتحقيق هذه المهمة. وبسبب السذاجة السياسية لدى بعض الشباب يجد هؤلاء في شعارات تلك الجماعات مصادر جذب تدغدغ مشاعرهم وتجعلهم أدوات تستغلها قيادات الإرهاب في تنفيذ مخططاتها.
أما وسائل الاعلام من فضائيات وانترنت وغيرها فقد أصبحت مكانا رحبا لبث الأفكار الإرهابية بطرق مشوقة وبأساليب إبداعية تبهر الناضرين بهدف استقطاب الشباب، ناهيكم عن الفتاوى التكفيرية والأناشيد الاسلامية التحريضية التي تبثها تلك الوسائل وتجد من يتفاعل معها وينجذب إليها لأنها تدغدغ مشاعره وتمنحه ضمانا إلى الجنة والحور العين والخلاص من واقعه المأزوم.
عموما نحن أمام ظاهرة معقدة تتعدد عواملها ومسبباتها ويبقى الوعي هو السبيل الأهم في مواجهتها ليس من أجل الحفاظ على مكتسبات مجتمعاتنا وأرواح هؤلاء وضحاياهم فحسب ولكن من أجل المحافظة على صورة الإسلام الزاهية التي شوهتها أيادي ثلة من أبناء الإسلام تظن أنها بأفعالها الإرهابية إنما تحسن صنعا للاسلام والمسلمين وهي أبعد ما تكون عن ذلك مع الأسف ... فالعبرة في النتائج، والنتائج مزيد من الإفساد في الأرض وقتل الأرواح البريئة وتدمير الممتلكات وإضعاف أمة الإسلام وتشويه صورة الإسلام ... ألا تكفي هذه النتائج المدمرة كي يعيد هؤلاء حساباتهم ويدركون خطأ منهجهم ويبدأون مسيرة سلمية هدفها نشر دين الله في أرجاء المعمورة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن بعيدا عن الأحزمة الناسفة والقتل والتدمير ... حفظ الله ديننا وأمتنا من كل مكروه ... هذا وللجميع أطيب تحياتي.
الدكتور/ عبد الله محمد الفوزان
[email protected]