الإسلام نظام كامل للحياة والمسلمون أمة ذات رسالة ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) لذلك فإن منهج التربية في الإسلام يخدم هذا النظام ويدفع نحو تلك الغاية .
وإن الهدف الرئيسي لعملية التربية بكل جوانبها هي تنشئة الإنسان تنشئة مستقرة ومتوافقة مع متطلبات النمو في مراحل العمر المختلفة من حياة الإنسان . وما العقائد والقيم والعبادات بأنواعها إلا وسيلة للتربية والتزكية قال تعالى ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )
وإن من كرامة الله للإنسان أن جعله مربياً وشرفه بأن يحمل أجل وأسمى مهمة في الحياة وهي المهمة التي أرسل الله لها الرسل وأنزل لها الكتب قال تعالى في قصة شعيب عليه السلام مع قومه ( .... وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ... ) الآية
إن التربية مهمة خطيرة في حياة البشرية وهي دليل وعي وحضارة الأمم ، وهي الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها ، قال تعالى ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون )
والعبادة بمفهومها العملي هي تربية النفس على إقامة نهج الله وإتباع هديه في كل جوانب حياة الإنسان ( الروحية ، الاجتماعية ، الأخلاقية ، النفسية ) ، وهذه التربية تكون في إطار مرجعي للسلوك تستمد مبادئها من كتاب الله والسنة المطهرة.
وهي محور سعادة الإنسان وفلاحه في الدنيا والآخرة قال تعالى ( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها )
من هنا جاء تكريم الله لبني آدم ليستحقوا أن يكونوا خلفاء الله في الأرض وليحملوا أمانة عمارة الأرض على نهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى ( إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة )
مراتب تكريم بني آدم :-
المرتبة الأولى :-
كرامته بالروح
لقد بدء تكريم الله للإنسان منذ أن خلقه بيديه ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وكانت الكرامة الإلهية للإنسان للفطرة التي فطره عليها وهي الفطرة السليمة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ) فإذا حافظ الإنسان على هذه الفطرة وترفع بها عن النقائص والرذائل فقد حافظ بذلك على كرامته عند الله على سائر المخلوقات ، وذلك يكون بتقويم نفسه وتربيتها على الطاعة والتزام نهج الله وسنة نبيه
المرتبة الثانية :_
كرامته بالعقل
لقد جاء التكريم الثاني لبني آدم بالعقل الذي ميزه الله به وجعله مصدر سعادته أو شقاءه
قال تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) ، والعقل يضفي على صاحبه من الصفات الحميدة ما يجعله محبوباً عند الله ويرفعه إلى الكرامة الإلهية إن استخدمه في التفكر والتدبر والتفكير السليم لأن العقل هو منبع العلم وأساسه قال صلى الله عليه وسلم ( إن الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم )
المرتبة الثالثة :_
كرامته بالتقوى
يتمايز الناس في ما بينهم بمعايير وضعوها بأنفسهم لا يكون للنفس وعلوها وتزكيتها من هذه المعايير نصيب وحظ مثل ( التمايز بالنسب والحسب والجاه والسلطان والشكل ...... ) ويغفلون عن أهم المعايير التي جعلها الله سبب لوصول الإنسان إلى أعلى درجة في الكرامة والدرجة الرفيعة عنده سبحان وتعالى ، قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ... ) الآية .
قال تعالى ( إن المتقين في جنات ونعيم ... ) الآية ، وبالتقوى يكون الإنسان قد وصل إلى الدرجة التي يراقب فيها تصرفاته ويقوم سلوكه ويحذر من الأمور التي تفسد عليه نفسه وتوقعه في المهالك (وسأل عمر كعبا فقال له: ما التقوى؟ فقال كعب: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقا فيه شوك؟ قال: نعم. قال: فماذا فعلت؟ فقال عمر : أشمر عن ساقي، وانظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدما وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة. فقال كعب: تلك هي التقوى. تشمير للطاعة، ونظر في الحلال والحرام، وورع من الزلل، ومخافة وخشية من الكبير المتعال سبحانه.
إذاً فالتقوى في مجملها هي تربية النفس ومجاهدتها ، والتحكم في شهواتها ، وهي من العوامل التي تؤدي إلى نضوج الشخصية وتكاملها واتزانها ، والوصول إلى هذه المرتبة من الكمال الإنساني هو الهدف الأسمى للتربية النفسية في الإسلام .
قد هيؤك لأمر عظيم لو فطنت له
فاربئ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ