جميلة العمري
02-01-2009, 07:17 PM
الهاربات إلى المجهول
د.جبرين الجبرين
القرار الخاطئ الذي تتخذه الفتاة بالهروب من منزل الأسرة لا يمكن النظر إليه على انه قرار عبثي أو غلطة مراهقة أو حتى مشكلة قابلة للإصلاح وإعادة الأمور إلى مجاريها. فهروب الفتاة من منزلها في مجتمعنا المحافظ لا بد أن ينظر إليه على أنه حكما بالإعدام على ما تبقى من حياة الفتاة، بل ربما يمتد هذا الحكم ليشمل سمعة الأسرة بكاملها. فعندما تفتح الفتاة باب المنزل في طريقها إلى الهروب فهي تفتح معها العديد من التساؤلات التي يجب كشف حقيقتها والإجابة عليها مهما بلغت صعوبتها وحساسيتها دون محاولة للقفز على الحقائق أو المزايدة على الواقع الذي يحاول البعض تصويره بشكل مثالي.
فلقد ذكر مدير مركز التنمية الأسرية في محافظة الإحساء أن الأرقام الإحصائية لإحدى الدراسات البحثية، أشارات إلى أنه تم تسجيل هروب 850 فتاة، العام الماضي نتيجة العنف الأسري في السعودية، واصفاً ذلك الأثر بـ"الظاهرة". وأضاف أنه تم خلال العام الهجري 1426 تسجيل نحو 1334 حالة هروب فتيات لنفس السبب، لافتاً إلى أن هناك مئات الحالات التي لا تسجل، مشيراً إلى أن بعض المختصين أكدوا أن 70% من حالات الهروب سببها التحرش الجنسي داخل المنازل. ( الوطن 3008 - 26/12/ 1429).
ومن المؤكد أن قرار الهروب من المنزل خطأ فادح يفترض أن لا يحصل في الأسرة السعودية التي تمتاز بأنها أسرة محافظة ويترتب عليه أضرار كثيرة، حيث تخسر الفتاة أسرتها وتقطع معهم جميع خطوط الرجعة إضافة إلى العواقب البالغة الخطورة المترتبة على هذا التصرف والتي يفترض أن تجعل الفتاة تفكر ألف مرة قبل هروبها من المنزل. ولا أعتقد أن الفتاة لم تفكر في هذه العواقب كما يردّد البعض، فإقدام الفتاة على الهروب على الرغم من كل ما يترتّب عليه من نتائج تصل إلى حد القتل في بعض الحالات وربما رفض الفتاة بشكل نهائي وتركها في المؤسسات الإيوائية في حال تم العثور عليها ورفض عودتها للأسرة مرة ثانية، جميعها يمكن تصنيفها بأنها عواقب بالغة القسوة وعقابا رادعا للفتاة على هذا الهروب. إلا أنه يخفي خلفه أسبابا أكثر خطورة أجبرت الفتاة على "أمرين أحلاهما مرّ"، بل هو بالغ المرارة، فاختيار الهروب من الأسرة على الرغم من ما ينتج عنه من مشكلات يعني أنه الخيار الأسهل لأن البقاء في المنزل ربما يترتب عليه ما هو أكبر من ذلك بكثير وهو بمثابة الجحيم الذي لم يعد بالإمكان تحمله والصبر عليه في الكثير من الحالات.
والمتأمل لهذه المشكلة لا يعرف بمن يبدأ في توجيه اللوم فهل يكون للفتاة التي اتخذت قرار انتحاريا بالغ الخطورة خصوصا وأن الفتاة في مرحلة المراهقة تسّيرها العواطف وتكون غير قادرة على اتخاذ قرار عقلاني. أم إن اللوم يجب أن يكون موجها للأسرة التي فشلت في توفير التوافق بين أفراد الأسرة وجعلت المنزل شبيها بالسجن بالنسبة للفتاة التي تشعر أنها مهمشة وليس لها رأي في المنزل فهي تأكل وتشرب وتتلقى الأوامر فقط. فهناك فتيات قررن الهروب بعد أن وجدن أنفسهن في أسر أصيبت بجمود في المشاعر وتصحّر في العواطف وقسّوة في التعامل لا يكدّر صفوه إلا وجود أماً لا تجيد من أساليب التربية إلا توجيه اللوم المستمر والدعاء للفتاة بأن يرزقها الله بالزوج الذي يريح الأٍسرة منها ولا تمتلك من براعة البلاغة إلا ما يؤكد على أن الفتاة حمل ثقيل على الأسرة. وأبا يعتقد أن كلمة الحب من الكبائر وان التعبير عن الحب من المضحكات التي لا وجود لها إلا في المسلسلات وإخوة لا يعرفون من التعامل إلا القسوة والتسلط، ناهيك عن الممارسات الخاطئة بحق الفتاة مثل إجبارها على الزواج من شخص لا ترغب الارتباط به أو منعها من الزواج لأسباب غير منطقية دون أخذ رأيها في هذا القرار أو اللجوء إلى بعض ممارسات الجاهلية كالحجر والعضل أو تزويجها دون موافقتها أو حتى دون علمها.
وإذا كان جزء من اللوم يقع على الأسرة في بعض الأحيان فأن الإنصاف يقتضي توجيه تهمة منفردة لبعض وسائل الإعلام التي تكثر من توجيه النقد للحياة التقليدية وتركز على السلبيات إن وجدت، ويهدف البعض منها إلى توجيه نقد منتظم للقيم الأسرية وتصويرها على أنها تخّلف يجب أن ترفضه الفتاة وتعميق الفجوة بين المنزل وبين العالم الخارجي عندما تصوره وكأنه نعيم الفتاة المنشود وتركز على التناقض الواضح بين ما يحدث داخل أسوار الأسرة وخارجها بشكل متناقض إلى درجة الذهول. فماذا نتوقع من فتاة أرقها القمع والتسلط في بعض الأسر وأحبطها المستقبل المظلم وشعرت وكأنها جزء من أثاث المنزل وهي تشاهد أمثالها في وسائل الأعلام يشجعونها على التمرد بداعي الحرية الشخصية.
والمجتمع يجب أن يكون له نصيب من الاتهامات فهو الذي سمح بدخول مؤثرات جديدة بدون ضوابط في حياة الأسرة التي يعاني بعض أفرادها من الكبت والانغلاق لفترة من الزمن وأصبحوا فريسة سهلة لبعض هذه المؤثرات. وهو الذي أغلق بعض أبواب الأمل ونوافذ التفاؤل بالمستقبل وذلك من خلال تحويل الفتاة إلى حبيسة منزل في مجتمع ذكوري يمنع عليها كل شي ويتم الحديث عنها وكأنها من الممتلكات ولا يعير اهتماما للحوار الأسري الذي هو أساس التوافق المطلوب بين أفراد ألأسرة.
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3047&id=9312&Rname=97
د.جبرين الجبرين
القرار الخاطئ الذي تتخذه الفتاة بالهروب من منزل الأسرة لا يمكن النظر إليه على انه قرار عبثي أو غلطة مراهقة أو حتى مشكلة قابلة للإصلاح وإعادة الأمور إلى مجاريها. فهروب الفتاة من منزلها في مجتمعنا المحافظ لا بد أن ينظر إليه على أنه حكما بالإعدام على ما تبقى من حياة الفتاة، بل ربما يمتد هذا الحكم ليشمل سمعة الأسرة بكاملها. فعندما تفتح الفتاة باب المنزل في طريقها إلى الهروب فهي تفتح معها العديد من التساؤلات التي يجب كشف حقيقتها والإجابة عليها مهما بلغت صعوبتها وحساسيتها دون محاولة للقفز على الحقائق أو المزايدة على الواقع الذي يحاول البعض تصويره بشكل مثالي.
فلقد ذكر مدير مركز التنمية الأسرية في محافظة الإحساء أن الأرقام الإحصائية لإحدى الدراسات البحثية، أشارات إلى أنه تم تسجيل هروب 850 فتاة، العام الماضي نتيجة العنف الأسري في السعودية، واصفاً ذلك الأثر بـ"الظاهرة". وأضاف أنه تم خلال العام الهجري 1426 تسجيل نحو 1334 حالة هروب فتيات لنفس السبب، لافتاً إلى أن هناك مئات الحالات التي لا تسجل، مشيراً إلى أن بعض المختصين أكدوا أن 70% من حالات الهروب سببها التحرش الجنسي داخل المنازل. ( الوطن 3008 - 26/12/ 1429).
ومن المؤكد أن قرار الهروب من المنزل خطأ فادح يفترض أن لا يحصل في الأسرة السعودية التي تمتاز بأنها أسرة محافظة ويترتب عليه أضرار كثيرة، حيث تخسر الفتاة أسرتها وتقطع معهم جميع خطوط الرجعة إضافة إلى العواقب البالغة الخطورة المترتبة على هذا التصرف والتي يفترض أن تجعل الفتاة تفكر ألف مرة قبل هروبها من المنزل. ولا أعتقد أن الفتاة لم تفكر في هذه العواقب كما يردّد البعض، فإقدام الفتاة على الهروب على الرغم من كل ما يترتّب عليه من نتائج تصل إلى حد القتل في بعض الحالات وربما رفض الفتاة بشكل نهائي وتركها في المؤسسات الإيوائية في حال تم العثور عليها ورفض عودتها للأسرة مرة ثانية، جميعها يمكن تصنيفها بأنها عواقب بالغة القسوة وعقابا رادعا للفتاة على هذا الهروب. إلا أنه يخفي خلفه أسبابا أكثر خطورة أجبرت الفتاة على "أمرين أحلاهما مرّ"، بل هو بالغ المرارة، فاختيار الهروب من الأسرة على الرغم من ما ينتج عنه من مشكلات يعني أنه الخيار الأسهل لأن البقاء في المنزل ربما يترتب عليه ما هو أكبر من ذلك بكثير وهو بمثابة الجحيم الذي لم يعد بالإمكان تحمله والصبر عليه في الكثير من الحالات.
والمتأمل لهذه المشكلة لا يعرف بمن يبدأ في توجيه اللوم فهل يكون للفتاة التي اتخذت قرار انتحاريا بالغ الخطورة خصوصا وأن الفتاة في مرحلة المراهقة تسّيرها العواطف وتكون غير قادرة على اتخاذ قرار عقلاني. أم إن اللوم يجب أن يكون موجها للأسرة التي فشلت في توفير التوافق بين أفراد الأسرة وجعلت المنزل شبيها بالسجن بالنسبة للفتاة التي تشعر أنها مهمشة وليس لها رأي في المنزل فهي تأكل وتشرب وتتلقى الأوامر فقط. فهناك فتيات قررن الهروب بعد أن وجدن أنفسهن في أسر أصيبت بجمود في المشاعر وتصحّر في العواطف وقسّوة في التعامل لا يكدّر صفوه إلا وجود أماً لا تجيد من أساليب التربية إلا توجيه اللوم المستمر والدعاء للفتاة بأن يرزقها الله بالزوج الذي يريح الأٍسرة منها ولا تمتلك من براعة البلاغة إلا ما يؤكد على أن الفتاة حمل ثقيل على الأسرة. وأبا يعتقد أن كلمة الحب من الكبائر وان التعبير عن الحب من المضحكات التي لا وجود لها إلا في المسلسلات وإخوة لا يعرفون من التعامل إلا القسوة والتسلط، ناهيك عن الممارسات الخاطئة بحق الفتاة مثل إجبارها على الزواج من شخص لا ترغب الارتباط به أو منعها من الزواج لأسباب غير منطقية دون أخذ رأيها في هذا القرار أو اللجوء إلى بعض ممارسات الجاهلية كالحجر والعضل أو تزويجها دون موافقتها أو حتى دون علمها.
وإذا كان جزء من اللوم يقع على الأسرة في بعض الأحيان فأن الإنصاف يقتضي توجيه تهمة منفردة لبعض وسائل الإعلام التي تكثر من توجيه النقد للحياة التقليدية وتركز على السلبيات إن وجدت، ويهدف البعض منها إلى توجيه نقد منتظم للقيم الأسرية وتصويرها على أنها تخّلف يجب أن ترفضه الفتاة وتعميق الفجوة بين المنزل وبين العالم الخارجي عندما تصوره وكأنه نعيم الفتاة المنشود وتركز على التناقض الواضح بين ما يحدث داخل أسوار الأسرة وخارجها بشكل متناقض إلى درجة الذهول. فماذا نتوقع من فتاة أرقها القمع والتسلط في بعض الأسر وأحبطها المستقبل المظلم وشعرت وكأنها جزء من أثاث المنزل وهي تشاهد أمثالها في وسائل الأعلام يشجعونها على التمرد بداعي الحرية الشخصية.
والمجتمع يجب أن يكون له نصيب من الاتهامات فهو الذي سمح بدخول مؤثرات جديدة بدون ضوابط في حياة الأسرة التي يعاني بعض أفرادها من الكبت والانغلاق لفترة من الزمن وأصبحوا فريسة سهلة لبعض هذه المؤثرات. وهو الذي أغلق بعض أبواب الأمل ونوافذ التفاؤل بالمستقبل وذلك من خلال تحويل الفتاة إلى حبيسة منزل في مجتمع ذكوري يمنع عليها كل شي ويتم الحديث عنها وكأنها من الممتلكات ولا يعير اهتماما للحوار الأسري الذي هو أساس التوافق المطلوب بين أفراد ألأسرة.
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3047&id=9312&Rname=97